البحث العلمي

التطوع في التجارب السريرية ما بين الترغيب والترهيب.

مخاوف التطوع في التجارب السريرية.

انتشرت مؤخراً دعوات “التطوع في التجارب السريرية للقاح كورونا” في كافة أنحاء العالم، فنال اهتماماً كبيراً من قبل الحكومات والمنظمات العالمية قبل مراكز الأبحاث؛ فيبقى الحصول علي لقاح آمن لفيروس كورونا هو الخلاص من تلك الجائحة، لكن قرار التطوع في التجارب السريرية عموماً ليس بالأمر السهل، فلابد من فهم أبعاد القرار وتأثيره على حياتنا، فكما يوجد فوائد للتطوع في التجارب السريرية، أيضاً يوجد مخاطر يجب أخذها في الاعتبار.

لذا سنجيب عن كافة الأسئلة التي تدور في خاطرنا قبل التطوع؛ حتي يتسنى قرار واضح بخصوص التطوع في التجارب السريرية بعيداً عن التهويل أو الترغيب الأعمى.

ما هي التجارب السريرية Clinical trials؟

التجارب السريرية  هي دراسات تُجري علي متطوعين من البشر، وتهدف إلي اختبار دواء جديد أو إجراء طبي أو جهاز طبي، فلا يوجد دواء أو اجراء طبي يُستخدم حالياً على البشر إلا ومرَّ علي مراحل التجارب السريرية واثبت فاعليته وأمانه.

لماذا يجب أن أتطوع في التجارب السريرية؟

قبل أن نوافق أو نرفض التطوع في التجارب السريرية يجب أن ندرك أهمية ذلك إلينا وللبشرية كلها.

فتهدف التجارب السريرية عادة إلى اختبار فاعلية دواء جديد أو اجراء طبي أو جهاز طبي جديد علي البشر بعد إثبات فاعليته  معملياً وعلى الحيوانات، فبمجرد مشاركتك في أحد التجارب فإنك  تُسهم بإضافة اكتشاف طبي جديد للبشرية، فضلاً عن حصولك علي فرصة استخدام دواء جديد أفضل فاعلية من دوائك القديم، فعادة ما يكون العلاج التي تعتمد عليه الدراسة مُجدياً أو على الأقل آمن علي البشر.

اقرأ أيضا: ما معنى الدراسات السريرية؟

ماهي مخاطر التطوع في التجارب السريرية؟

“لم يجب أن أجرب شيء جديد ما دام الباحثون لم يتأكدوا من فاعليته؟”  سؤال يطرأ في أذهان الكثيرين عند الدعوة للتطوع في التجارب السريرية، ودائماً ما يبحث المتطوع عن إجابة لإخماد مخاوفه، فعلى الرغم من فوائد التطوع في التجارب السريرية، إلا أنه يوجد بعض المخاطر يجب أخذها في الاعتبار، والتي تتمثل في الآتي:

  • قد تظهر أعراض جانبية خطيرة للدواء الجديد، أو على الأقل غير مريحة للمتطوع.
  • من المحتمل ألا يكون الدواء الجديد مُجدياً.
  • ألا تحصل علي العلاج الجديد، وتكون ضمن المجموعة التي تأخذ العلاج الوهمي أو العلاج القديم.

كيف يمكن حماية المتطوعين في التجارب السريرية؟

يتابع التجارب السريرية مجلسُ مراجعة البحوث  في كل دولة (Institutional Research Board والذي يختلف في الجهة التابعة لها من دولة لأخري، فغالباً ما يتبع جامعة أو هيئة حكومية كوزارة الصحة –في المجتمع العربي- أو منظمات  فيدرالية كمنظمة الغذاء والدواء (FDA).

حيث يضع المجلس قواعد صارمة للحفاظ على حقوق وسلامة المتطوعين في التجارب السريرية، ومتابعة تطبيق تلك القواعد في كافة مراحل التجربة، من خلال مراجعة بروتوكول الدراسة واستمارة الموافقة المستنيرة Informed consent،  والتأكد من أن التجربة لا تسبب أي نوع من الضرر للمتطوعين.

ويشمل بروتوكول التجربة السريرية الخطة الكاملة لموضوع البحث، وتُتضمن الآتي:

  1. الهدف من التجربة.
  2. الشروط الواجب توافرها في المتطوعين.
  3. الإجراءات الوقائية لحماية المتطوعين من المخاطر المحتملة.
  4. بيانات مُفصَّلة عن موضوع الدراسة ونوع الاختبارات و الإجراءات المتبعة في التجربة.
  5. مدة التجربة المُتوقعة.
  6. ونوع البيانات التي سيجمعها الباحثون من المتطوعين.

فلكل دراسة مشرف رئيسي متمرس في مجال الأبحاث، بينما يتابع الفريق البحثي الحالة الصحية للمتطوعين بانتظام؛ للتأكد من فاعلية وأمان التجربة علي البشر.

استمارة الموافقة المستنيرة Informed consent.

تتضمن تلك الاستمارة كافة البيانات التي يجب أن يعرفها المتطوع قبل الموافقة على الخضوع للتجربة، حيث يشرح بوضوح  أحد أعضاء الفريق البحثي للمتطوع عن الدراسة، وفوائد التطوع، وكذلك المخاطر المحتملة ونسبة حدوثها.

ويُوقِّع المتطوع علي الاستمارة عند الموافقة على المشاركة في التجربة، ومع ذلك يملك المتطوع حق الانسحاب من التجربة في أي وقت.

من يمكنه التطوع في التجارب السريرية؟

يحدد الفريق البحثي معايير الانضمام و الاستبعاد من التطوع في التجربة السريرية (Inclusion and exclusion criteria)، والتي تحدد أكثر المتطوعين تناسباً للدراسة، بحيث يحافظوا على سلامة المتطوعين، ويحصلوا على نتائج دقيقة من الدراسة، ويتم وضع تلك المعايير تبعا لموضوع الدراسة، ولكنها بالأساس تتمحور حول عدة عوامل رئيسة مثل العمر والجنس ومرحلة المرض التي وصل إليها المريض، وأي أدوية يتناولها المتطوع حالياً أو سابقاً، وهل يوجد أمراض أخري يعاني منها.

ولكن عموماً يفضل مشاركة المتطوعين من جميع الأعمار والأجناس والأصول-مالم يتعارض مع معايير الانضمام و الاستبعاد- للحصول علي نتائج دقيقة، فعند اثبات فاعلية دواء جديد على البالغين، فذلك لا يؤكد فاعليته على كبار السن؛ لذا يهتم الباحثون بمشاركة أعمار وأصول واجناس مختلفة في الدراسة السريرية؛ للحصول علي نتائج أكثر شمولاً، ونختص بالذكر كبار السن؛ نتيجة لاختلاف طبيعة أجسامهم عن البالغين، فدائما ما نجد جرعات أدوية لكبار السن مختلفة عنها في البالغين.

اقرأ أيضاً:  ما تعرفه عن متلازمة داون خيال أم حقيقة؟

كيف أعثر علي التجارب السريرية المناسبة لي؟

عادة ما يوصي الطبيب المعالج لحالتك بأحد التجارب السريرية، والتي تكون قريبة منك و مناسبة لحالتك المرضية، ويمكن أيضا ً العثور علي غيرها في الإعلانات التي تنشرها وزارة الصحة التابعة لبلدك، وعادة ما تنشرها في الصحف الرسمية أو على مواقعها الإلكترونية، ويجب التأكد قبل التطوع في أي تجربة أنها تابعة لهيئة حكومية أو جامعية ومعترف بها.

والجدير بالذكر أن معظم التجارب السريرية يتم تسجيلها علي موقع http://www.clinicaltrials.gov/ التابع للمعاهد الوطنية NIH, حيث تشمل كافة التجارب السريرية سواء كانت متاحة للتطوع أو ظهرت نتائجها، ولكنها مختصة أكثر بالتجارب المنعقدة في الولايات المتحدة أو أوروبا.

أسئلة يجب طرحها قبل التطوع في التجارب السريرية.

أسئلة يجب طرحها قبل التطوع في التجارب السريرية.
أسئلة يجب طرحها قبل التطوع في التجارب السريرية.

للتأكد من سلامة الدراسة والحصول على بيانات كافة للاتخاذ قرار التطوع من عدمه، يتسنى لك طرح مجموعة من الأسئلة والتي يجيب عنها أحد أعضاء الفريق البحثي بوضوح، وتشمل الآتي:

  • ما الهدف من الدراسة؟
  • هل يمكنني أن أعرف أي علاج سأتناول في التجربة (الدواء الوهمي أم الدواء التجريبي)؟
  • ما هي طبيعة الدواء الوهمي وهل سيسبب ضرر إذا تناولته؟
  • ماهي المخاطر المتوقعة من التجربة؟ وماهي الاحتياطات اللازمة لتفاديها؟
  • ماهي الفوائد التي تعود عليّ بالتطوع في الدراسة مقارنة بالطريقة المعتمدة الحالية؟
  • هل سيتم إجراء أية تحاليل أثناء التجربة؟
  • كيف يمكن التأكد من فعالية العلاج المستخدم في الدراسة؟
  • كم ستستمر التجربة؟
  • أين ستُجرى الدراسة؟ هل سأحتاج إلي الإقامة بالمستشفى؟
  • هل ستوفر لي وسيلة مواصلات لموقع الدراسة، أو تحمل نفقات المواصلات؟
  • كيف ستؤثر الدراسة علي حياتي اليومية؟
  • كيف أضمن حماية معلوماتي الشخصية؟
  • إلى من يجب أن أتحدث إذا احتجت المزيد من التفاصيل أثناء الدراسة؟
  • هل يمكنني تناول أدويتي اليومية للحالة المرضية موضع الدراسة أو الأمراض الأخرى التي أعاني منها؟
  • بعد انتهاء الدراسة:
    • هل سأحصل علي متابعة حالتي الصحية؟
    • كيف أطَّلع علي نتائج الدراسة؟
    • مع من يجب أن أتواصل للإبلاغ عن أية مشكلة صحية حدثت بعد التجربة؟

علي الرغم من كثرة الأسئلة السابقة إلا إنها هامة جداً، ويجب أن تحصل على إجابات واضحة لها قبل التطوع، ومع ذلك يمكنك الانسحاب عن التجربة في أي وقت.

والجدير بالذكر أن التجارب السريرية يرجع لها  الفضل فيما نشهده من تقدم طبي حالياً ومستقبلاً، فبدون التجارب السريرية والبحث العلمي لما كان الأنسولين بين أيدينا، وظل مرض السكري يقضي علي صاحبه بعد أشهر قليلة.

اقرأ أيضاً: الأنسولين الأسبوعي في المرحلة الثانية من التجارب السريرية.

ولو رفض أول متطوع الخضوع للتخدير الكلي، لتكبدت البشرية آلام شديدة سنوات طوال لحين قبول متطوع آخر التجربة، ولعل آخرها تجارب لقاح فيروس كورونا وغيرها من التجارب التي تساعدنا في كشف المزيد عن ذلك الفيروس؛ لنتخلص من تلك الجائحة التي أفقدنا الكثير بشرياً واقتصادياً ونفسياً.

 

المصادر

 

اظهر المزيد

Raghda Lotfy

Medical Writer.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights