طب وعلوم

فقدان الشغف: لا تبحث عن شغفك، فربما ليس ضائعاً!

هناك الكثير من الشعارات والإرشادات التي طالما نقرأها ونسمعها، ولكن نعجز عن تطبيقها؛ ففي بعض الأحيان يكون هدف الناصح هو إرشادك وتوجيهك، ولكن ينتهي الأمر بشعورك بالإحباط!


السبب الرئيسي في ذلك، هو صعوبة تطبيق هذا الكلام النظري والعقلاني على أرض الواقع؛ فهناك الكثير من التحديات والمصاعب التي طالما تُواجهنا، فتكون النتيجة هي عجزنا عن تنفيذ تلك النصائح، وبالتالي الشعور بالإحباط.

من أبرز هذه الشعارات، هو شعار ابحث عن شغفك، فإن فقدت شغفك اتجاه ما تفعله، فهذا يعني أنك في الاتجاه الخاطيء، ويجب عليك تصحيح المسار؛ فما صحة هذا الكلام؟
 


 ما هو الشغف، وما هي أنواعه؟

 

الشغف في علم النفس هو شعورك بالسعادة والحماس عند فعل شيئاً ما، وطبقاً لما توصلت إليه إحدى الدراسات العلمية بكندا، فإن الشغف نوعان:

الشغف المتجانس (Harmonious passion): وهو شعورك بالسعادة عند القيام بنشاط معين أو فعل معين تحبه، وتستمر مشاعر السعادة لديك عند الانتهاء من هذا النشاط أيضا؛ فأنت أنجزت شيئا تحبه وتستمتع به.

ويُعتَبر هذا النوع من الشغف إيجابياً، فهو يتبعه شعور بالسعادة، ويُساعد على زيادة نسبة التركيز، وسيجعلك أكثر إقبالاً على الحياة.


الشغف الاستحواذي (Obsessive passion): هذا النوع من الشغف أشبه بالإدمان، فعلى الرغم من مشاعر السعادة التي تشعر بها عند قيامك بهذا الشيء، إلا أنه يصبح هو المتحكم في مشاعرك وأفعالك؛ فأنت لا تستطيع التخلص منه؛ وبالطبع، هذا النوع من الشغف لديه آثار سلبية عديدة.

ومثال لذلك السوشيال ميديا، والتي أصبحت بمثابة إدمان لبعض الأشخاص، فعلى الرغم من مشاعر الشغف التي يشعروا بها أثناء تواصلهم على السوشيال ميديا؛ إلا أنهم أصبحوا مسلوبين الإرادة، فشغفهم بالشيء أصبح هو المتحكم في أفعالهم، وهذا شيء خطير جداً.



لا تبحث عن الشغف فأنت مَنْ تصنعه!


طبيعة النفس البشرية متقلبة، فشعورك بالشغف والسعادة اتجاه شيء ما، يمكن أن يتغير؛ فهذا أمر طبيعي لأن الواقع مليء بالصعوبات والتحديات، والتي بالطبع ستوثِر على مشاعرنا اتجاه الأشياء.

فتغير مشاعرك اتجاه عملك، أو اتجاه دراستك، أو اتجاه علاقاتك بمن حولك، هو أمر طبيعي يجب أن تتكيف معه.

فبحثك عن شغفك في أشياء أصبحت بالفعل جزء من روتين حياتك لسنوات عديدة، يُمكن أن يكون سبباً في إحباطك، بل ودافع للاستسلام أيضاً.

وكان هذا رأي كارول دويك -بروفيسور علم النفس في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا- أن فهمك الخاطيء للبحث عن الشغف، قد يكون سبباً في استسلامك عند مواجهة أي صعوبات؛ فأنت الآن فقدت شغفك اتجاه ما تفعله، إذا ابحث عن شغفك في شيٍء أخر.

فهل من المنطق أنك إذا عانيت من فقدان الشغف في العمل أن تتركه وتبحث عن عمل أخر؟ أم هل هذه طريقة جديدة للهروب من المشاكل والأزمات؟

فكم من شخص يفتقد مشاعر السعادة والحماس، وهو مستيقظ -في السابعة صباحا- للذهاب إلى عمله؟ وكم من طالب يُعاني من حالة نفسية سيئة خلال فترة الامتحانات في كليته، والتي كانت هدفاً له في يوم ما؟

شعورك بالشغف عند وصولك لهدف محدد لن يستمر مدى الحياة، وهذا لا يعني أنك في الطريق الخاطيء فحسب، ولكن هذا أمر طبيعي فمشاعرنا تتغير اتجاه الأشخاص واتجاه الأشياء أيضاً.

ولكن، هل حاولت أن تصنع هذا الشغف بداخلك، بدلاً من أن تبحث عنه؟

 

اصنع شغفك (علاج فقدان الشغف)

 

نشرت المجلة الأمريكية (Psychology today) مقالة تتحدث عن مفهومنا الخاطيء للشغف، وتوضح أن ليس هناك حياة مليئة بالشغف، فشعورك بالشغف يذهب ويعود، ولكن في بعض الأحيان يصبح الاختيار بين يديك.

فأحياناً نحن من نصنع هذا الحافز بداخلنا؛ لنعالج فقدان الشغف، وهذا يحدث عند مقاومة المشاعر السلبية، ومحاولة الهروب منها؛ فمثلاً بدلاً من أن يكون حافزك للاستيقاظ من النوم، هو حافز سلبي دائماً كارتباطتك بموعد أو ما شبه ذلك، حاول أن تستبدله بحافز إيجابي أخر.

حاول أن تكسر روتين حياتك، وقم بتجربة أشياء جديدة؛ قم بزيارة أماكن لم تسبق لك زيارتها من قبل، وتعرف على أشخاص مختلفة، حينها ستجد أن مشاعر الشغف بدأت أن تعود تدريجياً لحياتك.




وإليك أيضاً بعض النصائح التي قد تساعدك على استعادة مشاعر الشغف مرة أخرى:

  • حاول أن تطلع على أهدافك القديمة، وتذكر مدى شغفك لتحقيقها، واهدأ، فقط حققت منها الكثير!

  •  خصص وقت لنفسك، وأفعل شيء تحبه وتستمتع به.

  • حاول أن تخلق أهداف جديدة، فالأهداف تُضيف قيمة للحياة.

  • حاول أن تهرب -لبعض الوقت- من وسائل الاتصال الحديثة، اترك هاتفك المحمول، ولا تفتح التلفاز، واسترخ لبعض الوقت.

  • حاول أن تعتمد على الغذاء الصحي؛ فهو السبيل لراحتك النفسية والجسمانية معاً.

  • حاوط نفسك بأشخاص حقيقين -فلا تكتفي فقط بالسوشيال ميديا- ولا تقارن حياتك بحياة الآخرين؛ فما خَفِيَ كان أعظم.

وأخيرا، لا تُضَيِع وقتك وجهدك وأنت تبحث عن شغفك، فحاول أن تصنعه بداخلك، فأهداف اليوم قد لا تكون شغف الغد، فهذه طبيعة الحياة.


اقرأ أيضا: 

ما يُخفى وراء قناع السعادة (الاكتئاب المبتسم)
الصدمة العاطفية “هل حقا القلب ينكسر أم هذا وهم من صنع صاحبه؟”



اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights